المالكي : الخائفون من الانتخابات لايصلحون للحكم

سعد الأوسي
استمعت مليّاً الى حديث الزعيم المالكي في احدى القنوات الفضائية العراقية ،
كان الرجل كعادته واضحاً محددا مباشرا يسمي الاشياء باسمائها، لا تلجئه لغة السياسة الى المناورة والمواربة والمراوغة، وبدا بعد عشرين عاما من الحكم انه مايزال يفكر ويتصرف ويتكلم بلغة المناضل الملتزم الثائر القابض على دينه ومبادئه بكف اليقين الراسخ، صادقاً غير مجامل في الحق، وهي سمات وصفات وعناصر مكروهة جدا في عالم السياسة لانها غالبا ما تنتج خسارات وتستجلب عداءات، الا ان مناضلا عتيقاً عريقاً كالمالكي بعد طول نزال وصراع وقتال وتضحية وفداء، لا يمكن ان يدع لغة السياسة وبراجماتيتها تركب عنده على ظهر لغة المبادئ وطوباويتها ، و كما يقول دائما: ما لم نفعله ونحن في الغربة مطاردين مطلوبين مستضعفين لا يمكن ان نفعله الان بعد ان بلغنا من الكبر والحكم والسلطة عتيّا.
كان المحور الابرز في حديث المالكي الاخير يركّز على الانتخابات المبكرة التي يجب ان لاتتجاوز هذا العام 2024 ابدا كما قال !!!
وقد احدث هذا التصريح دويّاً صاخباً في الوسط السياسي والشعبي العراقي على حد سواء
و هرع المعنيون والمتابعون الى اقرب التفسيرات وايسر التحليلات حين ظنوا ان المقصود منه هو ازاحة السيد محمد شياع السوداني وحكومته ليس الا !!!!، و هو ما سمعته مباشرة من عديد الاصدقاء والزملاء -سياسيين و اعلاميين- الذين اتصلوا بي بعد نهاية اللقاء مباشرة، استفهاماً او استغراباً، حتى ان بعضهم غمز في ثنايا حديثه الى ان تصريح المالكي ودعوته الى الانتخابات المبكرة ربما كانت الانتقام القاسي الذي يردّ به المالكي على (التقاطع) وعدم التوافق والانسجام بينه وبين السوداني كما تقول كواليس الشائعات السياسية، وفحواها ان رئيس الوزراء بعد ان ضمن مقعد رئاسة الحكومة تنكر للاطار التنسيقي وزعاماته الكبرى، وانه التف حولهم وسحب البساط من تحت ارجلهم حين تحالف مع احدى قوى الاطار تحالفاً مباشراً وكفل دعمها ونصرتها ووقوفها معه في وجههم، و تنكر للباقين و عزلهم و عمل على تهميش دورهم !!!
والحقيقة انها شائعات غير دقيقة بالمرة، حتى وان لامست في بعضها خيطا من الواقع هنا وهناك، فالذي لايمكن انكاره هو ان العلاقة بين الزعيم المالكي والرئيس السوداني شابها بعض البرود بسبب اعتراض المالكي على الاداء الحكومي والذي لم يكن متوافقاً مع الوعود والطموحات التي كان يريدها للبلد وكانت اساس تأييده ودعمه لترشيح السوداني للرئاسة، واولها شعار اعادة هيبة الدولة وتحقيق رفاهية المواطن التي قطعها الاطاريون على انفسهم في الانتخابات، لكنها ظلّت مجرد امان ضالة واضغاث وعود رغم مرور سنتين من عمر الحكومة التي لم تحقق شيئا حقيقيا بحجم الطموح الذي كان مأمولا فيها، اضافة الى اعتراض زعامات الاطار جميعا على شخصنة رئيس الوزراء للسلطة و تحويلها الى حصّةٍ عائلية ضمانا للولاء وليس للكفاءة والاستحقاق مما يعيد الى الذهن اسلوب النظام الصدامي السابق في الحكم، وهو امر عفا عليه الزمن خاصة في ظل الديمقراطية التي اختارها العراقيون في دستورهم كمنهج واسلوب ادارة .
كانت الاسئلة التي حاصرني بها الاصدقاء والمعنيون بالشأن السياسي ماتزال تترى علي باتصالات متلاحقة لا تنقطع، واغلبها تقول ان دعوة المالكي الى انتخابات مبكرة واضحة المقصد، وهي ضربة في صميم السوداني لاسقاطه من رئاسة الحكومة !!!!
وقد شعرت ان بعضهم مدفوع لاستنطاقي علّه يجد عندي اجوبة او سطورا مخفية غير مقروءة
في تصريح المالكي للقناة الفضائية،
وكنت اتملص من الاجابة عليهم بحجة و أخرى، لانني كنت اريد ان اسمع رأي السيد المالكي مباشرة قبل ان اجيب الآخرين لان كلمتي عنه مسؤولة مؤتمنة معتمدة ولا يمكن ان اطلقها اجتهادا او جزافاً او تخميناً، وقد عوّدني دولته على اتصال او تواصل شبه يومي بعد صلاة الفجر، نتحدث ونتحاور فيه طويلا حول مايدور في الشأن العام.
صليت الفجر وجلست الى مكتبي لاكمل مقالا بدأته قبل ساعات حول فسـ اد الفـ سادات في الحكومة واساس البلاءات الكبيرة وهو ما يجري في دهاليز الهيئة (الوطنية) للاستثمار التي فعلت بالعراق من تخريب ودمار مالم يفعله الاستعمار.
كان الرنين في هاتفي صامتا وهي عادتي في الكتابة، فلم انتبه الى ان دولته يرنّ علي، ثم ادركت الخط قبل ان يقفل،
احسست ان المالكي يبتسم وهو يسألني: لاشك ان الجميع يسألك عن موضوع الانتخابات المبكرة !!؟؟؟
ضحكت بصوت مسموع وقلت له: انت تخطف مني روح المبادرة، ولا تترك لي فرصة ان افاجئك
قال لي بلهجته الفراتية المحببة: اللي بقلب الضيف يقراه المعزّب
قلت: لم ينقطع تلفوني عن الرنين منذ ظهور دولتك في المقابلة حتى الان،
قال: لماذ تقلقهم الانتخابات المبكرة اصلاً ؟؟؟
هم يتحدثون عن شعبية كبيرة و حضور و نجاح مضمون، فلماذا لا يستغلون كل ذلك في الانتخابات المبكرة و يهيمن السوداني ومؤيدوه على المقاعد البرلمانية، ويثبت انه ( صاحب نفوذ سياسي كبير ينافس القوى المهيمنة) كما يقولون ؟؟؟
هل يتحدث المالكي عن بدعة سياسية او يدعو الى امر عجيب حين يطرح موضوع الانتخابات المبكرة، واساس استيزار السوداني جاء بموجب اتفاق زعامات الاطار كلها مع القوى السياسية الاخرى صدريين و سنة و كرداً على انتخابات مبكرة تجرى بعد سنة من حكم وزارة السوداني، وبموجب وثيقة مكتوبة شاملة تحوي العديد من البنود الملزمة، والتي لم ينفذ منها شيئا حتى الان ؟؟؟
تقول الوثيقة في المادة ثانيا- المحور التشريعي/ الفقرة 3: تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة اشهر واجراء انتخابات مبكرة خلال عام !!!!
فوجئت بالوثيقة التي ارسلها لي السيد المالكي اثناء حديثه، والتي تثبت بالدليل القاطع ان موضوع الانتخابات المبكرة كان اساس الاتفاق مع الصدريين والقوى الاخرى للخروج من الازمة الانتخابية التي كنا فيها، وان قرار تكليف السوداني بالادارة لمدة عام واحد ماهو الا حلّ لنزع فتيل التوترات السياسية التي كانت تنذر بالانفـ جار وقتها !!!
وان الموضوع ابعد مايكون عن لغة الانتـ ـقام والتقاطع والاكاذيب التي يروجها جماعة الرئيس السوداني والتي يظهرون فيها كأنه مستهدف بمشروع الانتخابات المبكرة !!!؟؟؟
ترى لماذا لم يعمد السوداني الى تكذيب هذه الزوابع الاعلامية والسياسية وهو يعرف الحقيقة، ويعرف انه مكلف بمهمة مؤقتة تجاوزت توقيتها المحدد ولم تحقق المطلوب منها ؟؟؟
قاطع المالكي دقيقة تأملي وصمتي وانا افكر في المسرحية الهزيلة التي يديرها المنتفعون واصحاب المصالح، واصرارهم على اظهار الامر وكأنه عراك سياسي !!!
قال : ان مايجري الان من استخدام امكانات الدولة ومواردها وادواتها لتكوين سطوة و سلطة سياسية و تمريرها تحت عنوان (التأييد الشعبي)، مخالف لابسط معايير الديمقراطية وفيه افتئات واضح على حقوق الشركاء السياسيين، خاصة التيار الصدري، والذي يجب ان نعترف بشجاعة انه حقق نتائج كبيرة في الانتخابات وانسحب لنزع فتيل ازمة التوتر بعد ان استوثق من تعهداتنا واتفاقنا على اجراء الانتخابات المبكرة وان ذلك الاتفاق هو الذي فسح المجال لتكليف حكومة السوداني بسنة واحدة وبمهمات محددة على رأسها تعديل قانون الانتخابات واجراء انتخابات مبكرة.
ان ما اقرأه واسمعه من هراء المطبلين والمزمرين في وسائل الاعلام والذي يروم تزييف الحقائق واللعب على الحبال بادعاءات غريبة تتحدث عن خوف الاطار المزعوم من ظل السوداني الممتد !!؟؟؟
او ان هنالك معركة ارادات او مواجهة حاسمة على حلبة الانتخابات بين السوداني و زعامات الاطار ، ماهو الا زوابع تافهة في فنجان مثقوب ، فالاخ السوداني لم يأت الى المنصب باستحقاق مقاعده البرلمانية، ولم تكن له كتلة او تيار ذا حضور سياسي وجماهيري بل كان عضواً فائزا بمفرده كباقي الاعضاء الثلاثمائة وثمانية وعشرين في البرلمان، وقد ارتأى قادة الاطار ترشيحه للمنصب لارضاء جميع الاطراف المتقاطعة وقتها كاختيار محايد، ولكنه لم ينفذ تعهداته، اذ لم يعمل على تعديل قانون الانتخابات ولم يدعو الى الانتخابات المبكرة في الوقت المتفق عليه قبل حوالي سبعة شهور. ثم ان الانتخابات المبكرة يجب ان لا تخيف الناجحين ذوي الحضور الشعبي والتأييد الجماهيري، الخائفون والمنتفعون وحدهم هم الذين يرتجفون امام فكرة الانتخابات المبكرة ويعارضونها بشدة لانها تقضي على ربيع الفساد الذي يعيشون فيه.
لانريد الدخول في نفق ازمة الثقة بيننا وبين المكونات الاخرى والشركاء السياسيين الذين تعهدنا لهم بحكومة امدها سنة واحدة فقط ثم الذهاب الى انتخابات اخرى،
كما لانريد ان يكون الحكم نهزةً او فرصة ينتشلها طرف من الاطراف ثم يقبض عليها بيديه واسنانه ويستأثر بها، ذهب زمن التفرد بالسلطة منذ 2003 ولن يعود ابداً.
وهنالك امر اخر بالغ الاهمية فات جوقة المنتفعين والمطبلين الذين كثروا هذه الايام، وهو ان الوصول الى كرسي رئاسة الوزراء لا يكون بعدد الاصوات والمقاعد البرلمانية فحسب، بل بالاتفاقات والتحالفات السياسية التي تنتج عقب الانتخابات، وهو عرف سياسي جرى الائتلاف عليه منذ اول تشكيل وزاري بعد الاطاحة بالدكتاتورية، نظرا لطبيعة التنوع السياسي الذي يمثل انعكاس التنوع الاثني القومي والديني في العراق، مما يعني ان اكثر الكتل والشخصيات السياسية حضورا وتأثيرا لن يكفيها تفردها في الوصول الى سدة الحكم بدون ان تتوافق مع الشركاء الاخرين، لذلك تبدو لي الطبول الجوفاء التي تقرع بصخب على فكرة ان الانتخابات المبكرة تمثل خوفا من وصول فلان الى الرئاسة محض هراء وعبث وغبـ اء وربما محاولة لاشاعة فوضى سياسية مقصودة.
قلت : دولة الرئيس ربما كان السيد السوداني بعيدا جدا عما تثيره جوقة المنتفعين والمزمرين، وربما يكون تأخر عن موضوع الانتخابات المبكرة بسبب المهام الكثيرة الملقاة على عاتقه
قال : نحن لا نشكك في نوايا الرجل ولكننا نريد ان نفي بالتزاماتنا وتعهداتنا مع الشركاء خاصة الاخوة الصدريين. ثم ان الانتخابات المبكرة لن تكون نتائجها تعبيرا عن ارادة المالكي بل تعبير عن ارادة الشعب العراقي، ومن يظن ان الشعب يؤيده ويقف وراءه يجب ان يكون هو اول الداعين والفرحين باجرائها، الا انني افاجأ بحجم ردة فعل جماعة الاخ السوداني ضد هذا الامر، و تصويره كأنه انقلاب عسكري، بينما هو انتخاب ديمقراطي حر يفوز به من يريده الشعب ويصوت له. ونحن ذاهبون اليه بكل تأكيد، واريدك ان تقول وتعيد للجميع ان الانتخابات المبكرة ليست دعوة ولا مطلبا خاصاً للمالكي انما هي ايفاء لعهد والتزام مكتوب، واذا كنا لا نحفظ عهودنا المكتوبة فنحن اذن لا نصلح للقيادة ابدا
القيادة ملاكها الشجعان والصادقون الموفون بعهودهم
وليس الخوافين المتنكرين العاضين على السلطة
بالنواجذ والانياب والاظافر.
اعانك الله يا سعد على ايصال هذه الرسالة لانك ستضع يدك في وكر الدبابير، سيهاجمونك
قلت : معلّم على الصدعات قلبي
و ياما دگت على راسي طبول
واذا كان ذلك في سبيل الوطن ودفاعا عن الحق فيا سيوف خذيني
مشاركة